كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما المسألة الثانية وهي: فائدة تكرار الأفعال فقيل فيه وجوه:
أحدها: أن قوله: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} نفي للحال والمستقبل وقوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} مقابلة أي لا تفعلون ذلك وقوله: {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} أي لم يكن مني ذلك قط قبل نزول الوحي ولهذا أتى في عبادتهم بلفظ الماضي فقال ما عبدتم فكأنه قال: لم أعبد قط ما عبدتم وقوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} مقابله أي لم تعبدوا قط في الماضي ما أعبده أنا دائما وعلى هذا فلا تكرار أصلا وقد استوفت الآيات أقسام النفي ماضيا وحالا ومستقبلا عن عبادته وعبادتهم بأوجز لفظ وأحضره وأبينه وهذا إن شاء الله أحسن ما قيل فيها فلنقتصر عليه ولا نتعداه غيره فإن الوجوه التي قيلت في مواضعها فعليك بها.
وأما المسألة الثالثة:
وهي تكريره الأفعال بلفظ المستقبل حين أخبر عن نفسه وبلفظ الماضي حين أخبر عنهم ففي ذلك سر وهو الإشارة والإيماء إلى عصمة الله تعالى له عن الزيغ والانحراف عن عبادة معبوده والاستبدال به غيره وأن معبوده واحد في الحال والمال على الدوام لا يرضي به بدلا ولا يبغي عنه حولا بخلاف الكافرين فإنهم يعبدون أهواءهم ويتبعون شهواتهم في الدين وأغراضهم فهم بصدد أن يعبدوا اليوم معبودا وغدا غيره فقال: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} يعني الآن {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} أنا الآن أيضا ثم قال: {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} يعني ولا أنا فيما يستقبل يصدر مني عبادة لما عبدتم أيها الكافرون وأشبهت ما هنا رائحة الشرط فلذلك وقع بعدها الفعل بلفظ الماضي وهو مستقبل في المعنى كما يجيء ذلك بعد حرف الشرط كأنه يقول مهما عبدتم من شيء فلا أعبده أنا.
فإن قيل: وكيف يكون فيها الشرط وقد عمل فيها الفعل ولا جواب لها وهي موصولة فما أبعد الشرط منها قلنا لم نقل أنها شرط نفسها ولكن فيها رائحة منه وطرف من معناه لوقوعها على غير معين وإيهامها في المعبودات وعمومها وأنت إذا ذقت معنى هذا الكلام وجدت معنى الشرط باديا علي صفحاته فإذا قلت لرجل ما تخالفه في كل ما يفعل أنا لا أفعل ما تفعل ألست ترى معنى الشرط قائما في كلامك وقصدك وأن روح هذا الكلام مهما فعلت من شيء فإني لا أفعله وتأمل ذلك من مثل قوله تعالى: {قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} كيف تجد معنى الشرطية فيه حتى وقع الفعل بعد من بلفظ الماضي والمراد به المستقبل وأن المعنى من كان في المهد صبيا فكيف نكلمه وهذا هو المعنى الذي حام حوله من قال من المفسرين والمعربين أنه كان نبيا بمعنى يكون لكنهم لم يأتوا إليه من بابه بل ألقوه عطلا من تقدير وتنزيل وعزب فهم غيرهم عن هذا للطفه ودقته فقالوا كان زائدة والوجه ما أخبرتك فخذه عفوا لك عزمه وعلى سواك غرمه إلا على من في الآية قد عمل فيها الفعل وليس لها جواب ومعنى الشرطية قائم فيها فكذلك في قوله ولا أنا عابد ما عبدتم وهذا كله مفهوم من كلام فحول النحاة كالزجاج وغيره فإذا ثبت هذا فقد صحت الحكمة التي من أجلها جاء الفعل بلفظ الماضي من قوله: {وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} بخلاف قوله: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} لبعد ما فيها عن معنى الشرط تنبيها من الله على عصمة نبيه أن يكون له معبودا سواه وأن يتنقل في المعبودات تنقل الكافرين.
أما المسألة الرابعة:
وهي أنه لم يأت النفي في حقهم إلا باسم الفاعل وفي جهته جاء بالفعل المستقبل تارة وباسم الفاعل أخرى فذلك والله أعلم لحكمة بديعة وهي أن المقصود الأعظم براءته من معبوديهم بكل وجه وفي كل وقت فأتى أولا بصيغة الفعل الدالة على الحدوث والتجدد ثم أتى في هذا النفي بعينه بصيغة اسم الفاعل الدالة على الوصف والثبوت فأفاد في النفي الأول أن هذا لا يقع مني وأفاد في الثاني أن هذا ليس وصفي ولا شأني فكأنه قال: عبادة غير الله لا تكون فعلا لي ولا وصفا فأتى بنفيين لمنفيين مقصودين بالنفي وأما في حقهم فإنما أتى بالاسم الدال على الوصف والثبوت دون الفعل أي أن الوصف الثابت اللازم العائد لله منتف عنكم فليس هذا الوصف ثابتا لكم وإنما ثبت لمن خص الله وحده بالعبادة لم يشرك معه فيها أحدا وأنتم لما عبدتم غيره فلستم من عابديه وإن عبدوه في بعض الأحيان فإن المشرك يعبد الله ويعبد معه غيره كما قال أهل الكهف: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ} أي اعتزلتم معبودهم إلا الله فإنكم لم تعتزلوه وكذا قال المشركون عن معبودهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} فهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره فلم ينتف عنهم الفعل لوقوعه منهم ونفي الوصف لأن من عبد غير الله لم يكن ثابتا على عبادة الله موصوفا بها فتأمل هذه النكتة البديعة كيف تجد في طيها أنه لا يوصف بأنه عابد الله وعبده المستقيم على عبادته إلا من انقطع إليه بكليته وتبتل إليه تبتيلا لم يلتفت إلى غيره لم يشرك به أحدا في عبادته وأنه وإن عبده وأشرك به غيره فليس عابدا لله ولا عبدا له وهذا من أسرار هذه السورة العظيمة الجليلة التي هي إحدى سورتي الإخلاص التي تعدل ربع القرآن كما جاء في بعض السنن وهذا لا يفهمه كل أحد ولا يدركه إلا من منحه الله فهما من عنده فلله الحمد والمنة.
وأما المسألة الخامسة:
وهي أن النفي في هذه السورة أتى بأداة لا دون لن وذلك لأن النفي بـ: لا أبلغ منه بـ: لن وأن لا أدل على دوام النفي وطوله من لن وأنها للطول والمد الذي في نفيها طال النفي بها واشتد وأن هذا ضد ما فهمته الجهمية والمعتزلة من أن لن إنما تنفي المستقبل ولا تنفي الحال المستمر النفي في الاستقبال وقد تقدم تقرير ذلك بما لا تكاد تجده في غير هذا التعليق فالإتيان بلا متعين هنا والله أعلم.
وأما المسألة السادسة:
وهي اشتمال هذه السورة على النفي المحض فهذا هو خاصة هذه السورة العظيمة فإنها سورة براءة من الشرك كما جاء في وصفها أنها براءة من الشرك فمقصودها الأعظم هو البراءة المطلوبة بين الموحدين والمشركين ولهذا أتى بالنفي في الجانبين تحقيقا للبراءة المطلوبة هذا مع أنها متضمنة للإثبات صريحا فقوله: {لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} براءة محضة {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} إثبات أن له معبودا يعبده وأنتم بريئون من عبادته فتضمنت النفي والإثبات وطابقت قول أمام الحنفاء: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاّ الَّذِي فَطَرَنِي} وطابقت قول فئة الموحدين: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ} فانتظمت حقيقة لا إله إلا الله تعالى ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرنها بسورة قل هو الله أحد في سنة الفجر وسنة المغرب فإن هاتين السورتين سورتا الإخلاص صحيح وقد اشتملتا على نوعي التوحيد الذي لا نجاة للعبد ولا فلاح إلا بهما وهما توحيد العلم والاعتقاد المتضمن تنزيه الله عما لا يليق به من الشرك والكفر والولد والوالد وأنه إله أحد صمد لم يلد فيكون له فرع ولم يولد فيكون له أصل ولم يكن له كفوا أحد فيكون له نظير ومع هذا فهو الصمد الذي اجتمعت له صفات الكمال كلها فتضمنت السورة إثبات ما يليق بجلاله من صفات الكمال ونفي ما لا يليق به من الشريك أصلا وفرعا ونظيرا فهذا توحيد العلم والاعتقاد والثاني توحيد القصد والإرادة وهو أن لا يعبد إلا إياه فلا يشرك به في عبادته سواه بل يكون وحده هو المعبود وسورة قل يا أيها الكافرون مشتملة على هذا التوحيد فانتظمت السورتان نوعي التوحيد وأخلصتا له فكان صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر ويختم بهما في سنة المغرب وفي السنن أنه كان يوتر بهما فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار ومن هنا تخريج جواب:
المسألة السابعة:
وهي تقديم براءته من معبودهم ثم أتبعها ببراءتهم من معبوده فتأمله.
وأما المسألة الثامنة:
وهي إثباته هنا بلفظ يا أيها الكافرون دون يا أيها الذين كفروا فسره والله أعلم إرادة الدلالة على أن من كان الكفر وصفا ثابتا لا لازما لا يفارقه فهو حقيق أن يتبرأ الله منه ويكون هو أيضا بريئا من الله فحقيق بالموحد البراءة منه فكان في معرض البراءة التي هي غاية البعد والمجانبة بحقيقة حاله التي هي غاية الكفر وهو الكفر الثابت اللازم في غاية المناسبة فكأنه يقول كما أن الكفر لازم لكم ثابت لا تنتقلون عنه فمجانبتكم والبراءة منكم ثابتة دائما أبدا ولهذا أتى فيها بالنفي الدال على الاستمرار مقابلة الكفر الثابت المستمر وهذا واضح.
المسألة التاسعة:
وهي ما الفائدة في قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} وهل أفاد هذا معنى زائدا على ما تقدم فيقال في ذلك من الحكمة والله أعلم أن النفي الأول أفاد البراءة وأنه لا يتصور منه ولا ينبغي له أن يعبد معبوديهم وهم أيضا لا يكونون عابدين لمعبوده وأفاد آخر السورة إثبات ما تضمنه النفي من جهتهم من الشرك والكفر الذي هو حظهم وقسمهم ونصيبهم فجرى ذلك مجرى من اقتسم هو وغيره أرضا فقال له لا تدخل في حدي ولا أدخل في حدك لك أرضك ولي أرضي فتضمنت الآية أن هذه البراءة اقتضت أنا اقتسمنا خطتنا بيننا فأصابنا التوحيد والإيمان فهو نصيبنا وقسمنا الذي نختص به لا تشركونا فيه وأصابكم الشرك بالله والكفر به فهو نصيبكم وقسمكم الذي تختصمون به لا نشرككم به فتبارك من أحيا قلوب من شاء من عباده بفهم كلامه وهذه المعاني ونحوها إذا تجلت للقلوب رافلة في حللها فإنها تسبى القلوب وتأخذ بمجامعها ومن لم يصادف من قلبه حياة فهي خود تزف إلى ضرير مقعد فالحمد لله على مواهبه التي لا تنتهي ونسأله إتمام نعمته.
وأما المسألة العاشرة:
وهي تقديم قسمهم ونصيبهم على قسمه ونصيبه وفي أول السورة قدم ما يختص بهم فهذا من أسرار الكلام وبديع الخطاب الذي لا يدركه إلا فحول البلاغة وفرسانها فإن السورة لما اقتضت البراءة واقتسام ديني التوحيد والشرك بينه وبينهم ورضي كل بقسمه وكان المحق هو صاحب القسمة وقد برز النصيبين وميز القسمين وعلم أنهم راضون بقسمهم الدون الذي لا أردا منه وأنه هو قد استولى على القسم الأشراف والحظ الأعظم بمنزلة من اقتسم هو وغيره سما وشفاء فرضي مقاسمه بالسم فإنه يقول له لا تشاركني في قسمي ولا أشاركك في قسمك لك قسمك ولي قسمي فتقديم ذكر قسمه هاهنا أحسن وأبلغ كأنه يقول هذا هو قسمك الذي آثرته بالتقديم وزعمت أنه أشرف القسمين وأحقهما بالتقديم فكان في تقديم ذكر قسمه من التهكم به والنداء على سوء اختياره وقبح ما رضيه لنفسه من الحسن والبيان ما لا يوجد في ذكر تقديم قسم نفسه والحاكم في هذا هو الذوق والفطن يكتفي بأدنى إشارة وأما غليظ الفهم فلا ينجع فيه كثرة البيان ووجه ثان وهو أن مقصود السورة براءته صلى الله عليه وسلم من دينهم ومعبودهم هذا هو لبها ومغزاها وجاء ذكر براءتهم من دينه ومعبوده بالقصد الثاني مكملا لبراءته ومحققا لها فلما كان المقصود براءته من دينهم بدأ به في أول السورة ثم جاء قوله: {لَكُمْ دِينُكُمْ} مطابقا لهذا المعنى أي لا أشارككم في دينكم ولا أوافقكم عليه بل هو دين تختصون أنتم به لا أشرككم فيه أبدا فطابق آخر السورة أولها فتأمله.
وأما المسألة الحادية عشرة:
وهي أن هذا الإخبار بأن لهم دينهم وله دينه هل هو إقرار فيكون منسوخا أو مخصوصا أو لا نسخ في الآية ولا تخصيص فهذه مسألة شريفة من أهم المسائل المذكورة: وقد غلط في السورة خلائق وظنوا أنها منسوخة بآية السيف لاعتقادهم أن هذه الآية اقتضت التقرير لهم على دينهم وظن آخرون أنها مخصوصة بمن يقرون على دينهم وهم أهل الكتاب وكلا القولين غلط محض فلا نسخ في السورة ولا تخصيص بل هي محكمة عمومها نص محفوظ وهي من السور التي يستحيل دخول النسخ في مضمونها فإن أحكام التوحيد التي اتفقت عليه دعوة الرسل يستحيل دخول النسخ فيه وهذه السورة أخلصت التوحيد ولهذا تسمى سورة الإخلاص كما تقدم ومنشأ الغلط ظنهم أن الآية اقتضت إقرارهم على دينهم ثم رأوا أن هذا الإقرار زال بالسيف فقالوا: منسوخ وقالت طائفة: زال عن بعض الكفار وهم من لا كتاب لهم فقالوا هذا مخصوص ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت تقريرا لهم أو إقرارا على دينهم أبدا بل لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الأمر وأشده عليه وعلى أصحابه أشد على الإنكار عليهم وعيب دينهم وتقبيحه والنهي عنه والتهديد والوعيد كل وقت وفي كل ناد وقد سألوه أن يكف عن ذكر آلهتهم وعيب دينهم ويتركونه وشأنه فأبى إلا مضيا علي الإنكار عليهم وعيب دينهم فكيف يقال إن الآية اقتضت تقريره لهم معاذ الله من هذا الزعم الباطل وإنما الآية اقتضت البراءة المحضة كما تقدم وأن ما هم عليه من الدين لا نوافقكم عليه أبدا فإنه دين باطل فهو مختص بكم لا نشرككم فيه ولا أنتم تشركوننا في ديننا الحق فهذا غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم فأين الإقرار حتى يدعي النسخ أو التخصيص أفترى إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة لا يصح أن يقال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يظهر الله منهم عباده وبلاده وكذلك حكم هذه البراءة بين أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل سنته وبين أهل البدع المخالفين لما جاء به الداعين إلى غير سنته إذا قال لهم خلفاء الرسول وورثته لكم دينكم ولنا ديننا لا يقتضي هذا إقرارهم على بدعتهم بل يقولون لهم هذه براءة منها وهم مع هذا منتصبون للرد عليهم ولجهادهم بحسب الإمكان فهذا ما فتح الله العظيم به من هذه الكلمات اليسيرة والنبذة المشيرة إلى عظمة هذه السورة وجلالتها ومقصودها وبديع نظمها من غير استعانة بتفسير ولا تتبع لهذه الكلمات من مظان توجد فيه بل هي استملاء مما علمه الله وألهمه بفضله وكرمه والله يعلم أني لو وجدتها في كتاب لأضفتها إلى قائلها ولبالغت في استحسانها وعسى الله المان بفضله الواسع العطاء الذي عطاؤه على غير قياس المخلوقين أن يعين على تعليق تفسير هذا النمط وهذا الأسلوب وقد كتبت على مواضع متفرقة من القرآن بحسب ما يسنح من هذا النمط وقت مقامي بمكة وبالبيت المقدس والله المرجو إتمام نعمته ولنذكر تمام الكلام على أقسام ما ومواقعها ما المصدرية فقد ذكرنا منها ما الموصولة ومن أقسامها المصدرية ومعنى وقوعها عليه أنها إذا دخلت على الفعل كان معها في تأويل المصدر هكذا أطلق النحاة وهنا أمور يجب التنبيه عليها والتنبه لها أحدها الفرق بين المصدر الصريح والمصدر المقدر مع ما والفرق بينهما أنك إذا قلت يعجبني صنعك فالإعجاب هنا واقع على نفس الحدث بقطع النظر عن زمانه ومكانه وإذا قلت يعجبني ما صنعت فالإعجاب واقع على صنع ماض وكذلك ما تصنع واقع على مستقبل فلم تتحد دلالة ما والفعل والمصدر الثاني أنه لا تقع مع كل فعل في تأويل المصدر وإن وقع المصدر في ذلك الموضع فإنك إذا قلت يعجبني قيامك كان حسنا فلو قلت يعجبني ما تقوم لم يكن كلاما حسنا وكذلك يعجبني ما تقوم وما تجلس أي قيامك وجلوسك ولو أتيت بالمصدر كان حسنا وكذلك إذا قلت يعجبني ما تذهب لم يكن في الجواز والاستعمال مثل يعجبني ذهابك قال أبو القاسم السهيلي الأصل في هذا أن ما لما كانت اسما مبهما لم يصح وقوعها إلا على جنس تختلف أنواعه فإن كان المصدر مختلف الأنواع جاز أن تقع عليه ويعبر بها عنه كقولك يعجبني ما صنعت وما عملت وما حكمت لاختلاف الصنعة والعلم والحكم.